فصل: (المدرك) الأول: أن يكون مما لا يجوز بيعه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.القسم الرابع من الكتاب: في موجبات الخيار:

.وأسباب الخيار:

ثلاثة:
العيب، والغرر، والعتق.

.السبب الأول: في الموجب:

ويثبت الخيار لكل واحد من الزوجين بالعيوب الأربعة، وهي: الجنون، والجذام، والبرص، وداء الفرج.
فالجنون: هو الصرع والوسواس الذي ذهب معه العقل، والجذام: ما تيقن منه، قليلاً كان أو كثيراً.
وقال في البرص: ما سمعت، إلا ما في الحديث، وما فرق بين قليل ولا كثير.
قال ابن القاسم: ترد من قليله، ولو أحيط فيما خف منه أنه لا يزيد، لم ترد منه، ولكن لا يعلم ذلك فترد من قليله.
وسوى ابن القاسم وابن عبد الحكم بين الرجل والمرأة في الرد بالبرص.
وروى أشهب أن برص الرجل لا يثبت به الخيار للزوجة وإن غرها. وروي عن ابن القاسم أيضاً.
أما في حديث البرص بالرجل، فلا خيار فيه لها وإن كان شديداً. وروى عنه عيسى إذا حدث به البرص الخفيف فلا يفرق فيه. أما ما فيه ضرر لا يصبر على المقام عليه، فليفرق بينهما.
وداء الفرج يتنوع، فهو في حق الرجل ما يمنعه أن يطأ كالجب والخصاء، والعنة، والاعتراض، وما في معناها.
فالمجبوب: هو المقطوع ذكره وأنثياه. والخصي: هو مقطوع أحدهما. والعنين: هو الذي له ذكر لا يتأتى الجماع بمثله للطافته، وامتناع تأتي إيلاجه.
والمعترض: هو الذي لا يقدر على الوطء لعارض، وهو بصفة من يمكنه، وربما كان بعد وطء قد تقدم منه، وربما كان عن امرأة دون أخرى.
ففي الجب والخصاء والعنة يثبت لها الخيار، وكذلك إن كان الخصي قائم الذكر يمكنه الوطء، إلا أنه لا ينزل، فلها الخيار، وكذلك في الحصور. قال ابن حبيب: وهو الذي يخلق بغير ذكر، أو بذكر صغير، كالزر وشبهه لا يمكن به وطء.
وأما في المعترض فيضرب له أجل سنة من يوم ترفعه إن كان حراً، وإن كان عبداً، فقال ابن القاسم في الكتاب: أجله ستة أشهر.
وقال القاضي أبو محمد: في أجله روايتان: إحداهما سنة، والأخرى ستة أشهر، ويخلى بينه وبينها، والقول قوله إن ادعى الوطء في السنة.
وروى في البكر أن النساء ينظرن إليها، فإن قلن: بها أثر إصابة، فالقول قوله، وإن قلن إنها على حال البكارة، صدقت عليه.
فإن مضت السنة وتقاررا على عدم الوطء، فالخيار حينئذ لها، وذلك إذا لم يكن منه وطء قبل الاعتراض، ولا يقبل قولها في دعوى ذلك إلا بتصديقه، ولها أن تستحلفه.
وكذلك لو ادعى الوطء في الأجل حلف وصدق، فإن نكل حلفت، وثبت لها الخيار، وإن نكلت بطلت دعواها، ولا خيار لها.
وروى ابن حبيب: أنه لا يحلف إلا بعد ضرب الأجل ودعوى الإصابة، فإن نكل طلقت عليه عند انقضاء الأجل.
ثم حيث أثبتنا لها الخيار فأقامت عنده، ثم أرادت الفراق، ففي كتاب محمد: لها ذلك، وكذلك في رواية أبي زيد عن ابن القاسم في العتبية، واختلفا، فروى محمد: يوقف مكانه بغير ضرب أجل، وليس لها أن تفارق دون السلطان.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم: أن لها أن تطلق نفسها متى شاءت بغير إذن من السلطان.
فرأى في الأول أنه أمر مختلف فيه، فلابد من حاكم يحكم بصحته. ورأى في الثاني أن الحاكم لما ضرب الأجل قد حكم بما يؤول إليه.
ثم الطلاق الواقع عليه بائن لتعري النكاح من الإصابة. ولا يقع عليه أكثر من طلقة واحدة، إلا أن يوقع هو أكثر، فيلزمه ما يوقع، لأنه يؤمر بإيقاع الطلاق عند اختيارها للفسخ، فيوقع منه ما شاء. فإن امتنع من إيقاعه أوقع الحاكم عليه طلقة واحدة، وتقع بائنة لما ذكرناه.
وإذا وقع الطلاق بعد الأجل؛ فلها الصداق كله كاملاً إذا أقام معها سنة، لأنه قد تلوم له، وقد خلا بها، وطال زمانه، وتغير صبغها، وخلقت ثيابها، وتغير جهازها عن حاله، وتلذذ منها، قاله في الكتاب.
وقال القاضي أبو محمد: في تكميل الصداق روايتان: إحداهما: أنه يكمل، والأخرى: أنه إن طال مقامه معها وتلذذه بها واستمتاعه مثله بما يمكنه كمل عليه، وإن كان لحداثة دخولها عليه ولم يطل أمرها معه لزمه نصفه.
قال القاضي أبو إسحاق: هذا موضع الاجتهاد، إذ النص في كتاب الله تعالى المسيس، وقد أقر الزوجان بأنه لم يكن.
ثم ألحق المعترض بالمجبوب بعلة أنه خلا بزوجته، وأغلق باباً، وأرخى ستراً وكشفها، وتلذذ منها أقصى ما يمكنه من الاستمتاع بها، قال: فيجب عليه الصداق كاملاً إذا طلق بعد ذلك، وحمل قوله تعالى: {من قبل أن تمسوهن}، على من يقدر على المسيس، دون من لا يقدر عليه.
قال: وهذا في هذه الزوجة المضروب له الأجل معها، كالمجبوب مع زوجته في عدم القدرة على المسيس.
أما داء الفرج في حق المرأة، فقال ابن حبيب: تفسيره ما كان في الفرج مما يقطع لذة الوطء، مثل العفل والقرن والرتق.
وقال القاضي أبو محمد: داء الفرج هو القرن والرتق، وما في معناهما.
وزاد الشيخ أبو القاسم في تفريعه البخر، والإفضاء، وهو أن يكون المسلكان واحداً.
وروى ابن المواز عن مالك: إن كل ما يكون عند أهل المعرفة من داء الفرج، فإن للزوج الرد به وإن لم يمنع من الوطء، مثل العفل القليل والقرن، وحرق النار.
قال: والمجنونة والجذماء والبرصاء يقدر على وطئها، ومع ذلك فللزوج ردها.
قال ابن حبيب: ويثبت الخيار بالقرع الفاحش لأنه من معنى الجذام والبرص. قال القاضي أبو الوليد: ولم أر ذلك لغيره من أصحابنا. قال: والأظهر من المذهب أنه لا يثبت الخيار، لأنه مما يرجى برؤه في الأغلب ولا يمنع المقصود من الاستمتاع، ولا يؤثر فيه كالجرب ونحوه.
ولا يثبت الخيار بشيء من العيوب سوى ما تقدم ذكره، إلا أن يشترط السلامة منه كالعمى، والعور، والعرج، والزمانة، ونحو ذلك من العاهات، فإن اشترط الصحة، فله الرد، وإلا لم يرد.
قال الشيخ أبو محمد: ولو كتب في العقد: صحيحة العقل والبدن، لم يكن ذلك شرطاً. قال: ولو قال: سليمة البدن، لكان شرطاً.
قال بعض المتأخرين: إنما فرق بينهما؛ لأن الأول عادة جارية من تلفيف الموثقين، ولم تجر العادة بالثاني. وكذلك لو وجدها لغية، لم يكن له ردها، إلا أن يتزوجها على نسب.
وكذلك إن وجدها مفتضة من زنى، فلا شيء له، رواه ابن حبيب عن مالك. قال ابن حبيب: إلا أن يشترط الخاطب لنفسه في ذلك، فيكون له، إلا السوداء فإنه يكون ذلك له وإن لم يشترطه إذا لم يكن في أهلها أسود؛ لأن ذلك كالشرط. قال القاضي أبو الوليد: ويجب على هذا أن يعلم الزوج بذلك، ويتزوج على أن أهلها لا أسود فيهم، وإلا فليس في معنى الشرط.
فروع: الأول: إذا ادعى الزوج أن بالمرأة عيباً في الفرج وأنكرته، ففي كتاب ابن حبيب: ينظر إليها النساء.
وروى سحنون عن ابن القاسم: لا ينظر إليها النساء، وأنكر سحنون ذلك عليه، وقال: كيف يعرف إلا بنظرهن؟ وروى ابن سحنون عن أبيه: ينظر إليها النساء.
الفرع الثاني:
إذا ادعت هي عليه فأنكر، فقال ابن حبيب: أما الحصور والمجبوب الممسوح ذكره وأنثياه، أو ذكره خاصة، أو أنثياه خاصة، فهذا يختبر بالجس على الثوب.
وأما دعواها أنه عنين، وهو الذي ذكره لا ينتشر، وهو كالأصبع في جسده لا ينقبض ولا ينبسط، أو معترض، وأنكر، فهو مصدق. قاله مالك وعبد العزيز لما نزلت بالمدينة.
الفرع الثالث:
إن العيب المقتضى للخيار، هو الموجود حالة العقد، فأما ما طرأ بعد العقد، فلا يؤثر في ثبوت الخيار للرجل، وفي تأثيره فلي ثبوته للمرأة خلاف بالنفي والإثبات في العيوب الأربعة، وينفرد البرص بزيادة مذهبين آخرين. أحدهما: اختصاص التأثير بما يخاف تناميه منه دون ما لا يخاف ذلك فيه.
والثاني: اختصاص التأثير بالكثير منه دون اليسير.
الفرع الرابع:
إذا ظهر بعد مدة حين عقد النكاح على عيب بها، فتداعيا في أنه كان موجوداً حالة العقد، فالبينة على الزوج. فإن لم تكن للزوج بينة، فروى ابن حبيب عن مالك: إن كان الوالي أباً أو أخاً، فعليه اليمين. وإن كان غيرهما، فاليمين عليها، فجعل محل اليمين محل الغرم.
النظر الثاني: في حكم الخيار: وإذا فسخ من له الخيار، ووقع الطلاق.
فالنظر بعد ذلك في سقوط المهر والرجوع به فيسقط جملة إن كان الفراق قبل المسيس. ويثبت إن كان بعده على التفصيل المتقدم.
ثم إن كان العيب بها، فللزوج الرجوع بالصداق جميعه على الولي إن كان قريباً لا يخفى عليه مثل ذلك، كالأب والأخ ونحوهما؛ لأنه الغار، ثم لا رجوع للولي على الزوجة بشيء.
وإن كان الولي بعيداً يخفى عليه مثل ذلك كابن عم، أو مولى ونحوه، رجع الزوج على المرأة بالصداق، لأنها هي الغارة، وترك لها ربع دينار لاستباحة فرجها.
فروع: الأول لو كان الولي القريب غائباً عنها غيبة طويلة بحيث يعلم أنه يخفى عليه خبرها، فقد روى ابن المواز عن ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك أنه لا غرم عليه، وإنما الغرم على المرأة. زاد ابن حبيب عن ابن القاسم: بعد أن يحلف بالله أنه ما علم. وروي عن أشهب: أن ذلك على الولي وإن كان غائباً لا يعلم.
وحكى بعض المتأخرين في رجوعه على الزوجة بعد استحلافه للولي على العلم قولين.
الفرع الثاني:
إذا كان الولي من ظاهره أنه لا يعلم ما بها من ذلك كابن العم والمولى والرجل من العشيرة، فلا غرم عليه ولا يمين، قاله ابن المواز.
وقال ابن حبيب: إن اتهم أنه علم حلف، وإلا فلا شيء عليه، وترد المرأة من الصداق ما أخذته، سوى ربع دينار. قال ابن حبيب: وإنما يرجع إليها العين بالذي دفعه إليها دون الجهاز.
الفرع الثالث:
إذا أرجعنا الزوج على الولي القريب، حيث قلنا: يرجع عليه، فكان فقيراً، ففي رجوعه على المرأة إذا كانت موسرة أو أيسرت قبله خلاف ينبني على أن كل واحد منهما غار، أم لا؟
الفرع الرابع:
إذا فارق الزوج ثم اطلع على عيب المرأة يوجب الخيار، أو خالعت هي، ثم اطلعت على عيب به يثبت لها الخيار، فلا رجوع على المعيب منهما بما أخذ، ويغرم الزوج الصداق لها إن كان لم يدفعه حتى طلق.
ولو مات أحدهما قبل الفراق وعلم العيب توارثا، والصداق لها، قاله مالك في الواضحة وكتاب محمد، ورواه ابن القاسم عنه أيضاً في العتبية.
وقال سحنون: يرجع الزوج على من غره بالصداق، وإن غرته هي رجع عليها.
قال: وكذلك لو غرها من نفسه بعيب فخالعته ثم علمت، لرجعت عليه بما أعطته.

.السبب الثاني للخيار: الغرور:

وفيه نظران:

.(النظر) الأول: في حكم الغرور، وصورته، وثبوت الصداق وسقوطه:

فنقول: إذا قال العاقد: زوجتك هذه المرأة المسلمة، فإذا هي كتابية، أو هذه الحرة، فإذا هي أمة، انعقد النكاح، وثبت الخيار للزوج، فإن أمسكها لزمه المسمى، وإن اختار فراقها ففارقها، فلا مهر عليه إن كان الفراق قبل أن يبني بها، وإن كان بعد البناء فلها المسمى، إلا أن يزيد على صداق المثل، فلترد ما زاد. فإن نقص المسمى عن صداق المثل، فقال ابن القاسم في غير الكتاب: على الزوج إتمامه.
وقال أشهب: لا شيء عليه فيما نقص عن ذلك، فيكون لها عنده الأقل.
وقال غيرهما: ليس لها إلا ربع دينار.
فروع: الأول: لو ادعى الزوج الغرور، وأنكره السيد. فقال أشهب: القول قول الزوج.
وقال سحنون: القول قول السيد؛ لأن الأب مدع لحرية ولده، وهو ولد أمة.
الفرع الثاني:
إذا تزوج الحر امرأة، ولم يشترط الحرية فيها، فله الخيار إذا ظهر أنها أمة.
قال أصبغ في العتبية: ولو أقر الآن أنه نكحها عالماً بأنها أمة، وقد فشا أنها غرته من الحرية، والسماع على ذلك أو الشك، فلا يصدق على ذلك الأب على ما يدفع عن نفسه من غرم قيمة ولده، ويريد من أرقاقهم.
الفرع الثالث:
من تزوج نصرانية ولم يعلم، فلا حجة له في ذلك حتى يشترط أنها مسلمة، أو يظهر أنه إنما تزوجها على أنها مسلمة لما كان يسمع منها، فيكون منها الكتمان وإظهار الإسلام، فهذا كالشرط.
وأما المسلم يغر النصرانية فيقول لها: إني على دينك، فتزوجته، ثم علمت، فقال مالك: لها الخيار، لأنه غرها، ومنعها من كثير، من شرب الخمر وغيره.

.النظر الثاني: في حكم الولد إذا جرى التغرير بالرق:

وله أحكام:
الأول: أنه إذا غر الحر بحرية أمة فأحبلها، انعقد الولد على الحرية لدخوله على الحرية.
وأما العبد فيكون ولده رقيقاً، إذ لابد أن يتبع أحد أبويه، ثم يرجع العبد على من غره بالصداق، ثم لا رجوع للغار عليها، وإن لم يكن غار، رجع عليها بالفضل على صداق مثلها، لحجته أنه رغب في حرية ولده. وهذا إن شرط أنها حرة، أو ظهر وجه علم به أنه عمل على أنها حرة، وإلا فلا يرجع بشيء من الصداق، بخلاف الحر لا يشترط حريتها ثم تبين أنها أمة.
وقيل: يكون ولد العبد حراً كولد الحر لشرطه.
الثاني: تجب قيمة الولد على الزوج لسيد الأمة، لأن الرق في الأم يوجب رق الولد واندفاعه بظنه، فهو المتسبب في عتقه.
وإنما تجب القيمة إذا كان يوم الحكم حياًَ فتكون عليه قيمته حينئذ. وانفرد المغيرة فقال: يقوم يوم الولادة، فإن مات الولد قبل الحكم، أو وضع ميتاً بغير جناية، فلا قيمة على أبيه، لأنه إنما يدفع القيمة لثبات حريتهم ودفع سيد أمهم.
فأما إن قتل الولد، فعلى أبيه الأقل من القيمة، أو الدية، لأن الدية عوض العين الفائتة، فتكون كقيام العين، وليس له سواها.
كذلك إن طرح مجتناً بجناية أوجبت فيه الغرة، فعلى الأب عشر قيمة الأم للسيد، إلا أن يزيد ذلك على ما سلم له بالإرث من الغرة، فلا يلزمه سوى ما سلم له بالإرث منها.
ولو جنى على الولد جناية ذو النفس تزيد ديتها على قيمته لكان الفاضل عن القيمة للولد.
الثالث: إذا كان الأب عديماً أخذت القيمة من الولد، وقال غير ابن القاسم: لا يتبع الولد بشيء.
فرأى ابن القاسم أنه كمن تعدى على مال لغيره فوهبه لرجل، وتلفت الهبة، فإن رب المال يرجع على الموهوب بالقيمة إن كان الواهب عديماً.
الرابع: لو كانت الأمة يعتق عليه الولد، كالجد مثلاً، لم تجب له قيمة في الولد؛ إذ ليس له فيه شبهة رق يتعلق بها، إذ لو ملكه لعتق عليه، ولا يكون للجد في هذا الولد ولاء، لأنه لم يتقرر فيه رق ثم طرأت عليه الحرية.

.السبب الثالث للخيار: العتق:

وفيه مسائل:
الأولى: أنها إن عتقت تحت تحر فلا خيار لها، وإن عتقت تحت عبد فلها الخيار.
وإنما يثبت لها الخيار إذا عتق جميعها بتلا، فلو عتق بعضها بتلا، أو جميعها إلى أجل، أو دبرت، أو كوتبت، أو صارت أم ولد لم تختر.
الثانية: لو عتقت، ثم عتق الزوج بتلا قبل أن تختار، فلا خيار لها، كما لو عتقا معاً في كلمة واحدة.
الثالثة: إذا طلقها الزوج قبل الفسخ طلاقاً رجعياً فلها الخيار، فإن كان بائناً فلا معنى للخيار معه.
الرابعة: إذا عتقت قبل المسيس، واختارت الفراق، فلا صداق لها، ويرده السيد إن قبضه، إذ الفسخ من قبلها، فإن كان عديماً حينئذ فهل يسقط خيارها، لأن ثبوته يؤدي إلى إسقاطه وإبطال سببه، أو يثبت الخيار، ثم تباع في الصداق نظراً إلى موجب الأحكام، أو يثبت لها الخيار ولا تباع في الصداق؛ لأنه دين طارئ باختيارها، فلا يرد العتق المتقدم عليه؟ ثلاثة مذاهب.
ولها المسمى بعد البناء أقامت أو فارقت، ويتبعها كمالها، إلا أن يكون السيد قبضه أو اشترطه، ولو كان تفويضاًَ ففرض لها بعد العتق، فهو لها دون السيد لأنه شيء لم يلزم الزوج قبل ذلك إن طلق أو ماتت.
الخامسة: إنها حيث ثبت لها الخيار فاختارت الفراق، كان طلاقاً لا فسخاً، كسائر المواضع التي تخير المرأة فيها في الفراق كالتي تخير من أجل عيب زوجها، أو إعساره بالنفقة وشبه ذلك.
ثم محمل اختيارها على طلقة واحدة، فإن قبضت بأكثر منها، ففي لزوم ما قضت به أو الاقتصار على الواحدة دون الزائد روايتان. قال الشيخ أبو محمد: رجع مالك إلى إلزام جميع ما قضت به لحديث زبراء.
وحيث قلنا بالرواية الأخرى، أو اقتصرت على واحدة، فهي بائنة قاله في الكتاب.
وقال في مختصر ما ليس في المختصر: له الرجعة إن عتق في العدة.
فرع:
إذا ثبرت لها الخيار في حال الحيض أمرت بالتأخير إلى زمن طهرها، فإذا طهرت أوقعت إن شاءت.
ويترتب على هذا الفرع فرعان:
الأول: إذا وقفت عن الاختيار انتظاراً للطهر فعتق الزوج قبل أن تطهر، فقال ابن القاسم في العتبية: هي على خيارها.
قال أبو الحسن اللخمي: وفي هذا نصر، والصواب أن لا خيار لها، لأنها زوجة بعد حين أعتق.
الفرع الثاني:
أنها لو بادرت فاختارت وهي حائض، فأما على القول بأن طلقة بائنة، فيمضي الطلاق.
قال بعض المتأخرين: وأما على القول بأنها رجعية، فينبغي أن لا يمضي، لأن حكم الرجعية أن يجبر الزوج.
وتردد أبو الحسن اللخمي في هذا، لأن الطلاق ليس بيد الزوج، وإنما هو حق عليه فيشكل صحة رجعته، أو جبره عليها.
المسألة السادسة:
أنه حيث ثبت لها الخيار فيسقط بأن تصرح بإسقاطه، أو تفعل ما يدل على ذلك من التمكين من الوطء، أو ما في معناه، هذا إذا مكنت عالمة بالعتق والحكم، فإن مكنت جاهلة بالعتق، فلها القيام بلا خلاف. وإن كانت جاهلة بالحكم خاصة فالمشهور سقوط خيارها.
والشاذ ثبوته. قال بعض المتأخرين: وهو الصحيح، قال: وقد علل القاضي أبو الحسن سقوط الخيار باشتهار الحكم في المدينة حتى لم يخف عن أمة، قال: وعلى ذلك تكلم مالك، وإلا فإذا أمكن أن تكون جاهلة، فتمكينها لا يسقط ما وجب لها من الخيار.
فروع: الأول: إذا أعتقت وهو غائب، فاختارت نفسها، فثبت أنه عتق قبل أن تختار، بطل اختيارها، ولو تزوجت فهل يكون تزويجها مفيتاً؟ أجراه بعض المتأخرين على ثلاثة أقوال: قال: كحكم المفقود تتزوج زوجته ثم يقدم.
الفرع الثاني:
في التداعي بينهما.
فإذا اختلفا في المسيس، فإن أنكرت الخلوة، كان القول قولها مع يمينها، إن اعترفت بالخلوة كان القول قوله مع يمينه. وإن تصادقا على المسيس واختلفا هل كان بطوعها أو كانت مكرهة، كان القول قوله. وإن تصادقا على المسيس والطوع واختلفا هل علمت بالعتق؟ كان القول قولها، قال محمد: بغير يمين.
الفرع الثالث:
إذا عتقت قبل الدخول، فلم تعلم حتى بنى بها، فلها الأكثر من المسمى، أو صداق المثل على أنها حرة. وإن كان العقد فاسداً، كان لها صداق حرة، قولاً واحداً، وإن كان العقد صحيحاً وعلمت بالعتق وبالحكم ثم بنى بها، لم يكن لها إلا المسمى.

.القسم الخامس من الكتاب: في فصول متفرقة شذت عن الضوابط:

وهي سبعة:

.الفصل الأول: فيما يحل للزوج:

ويحل له كل استمتاع إلا الإتيان في الدبر. قال الأستاذ أبو بكر: ليس تحليله بمذهب لنا، بل هو حرام. ثم ذكر ما يحكى من نسبته إلى مالك رضي الله عنه في كتاب نسب إلى مالك يسمى بكتاب السر، ثم أبطل نسبه القول والكتاب المذكور إليه، وقد تقدم إبطال نسبة هذا الكتاب الذي يسمى بكتاب السر إلى مالك رضي الله عنه في كتاب الطهارة من هذا الكتاب بما أغنى عن إعادته. بل قد نص مالك رضوان الله عليه على تكذيب من نسب هذا القول إليه، فروى يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب أنه قال: سألت مالك بن أنس، فقلت: إنهم قد حكوا عنك أنك ترى إتيان النساء في أدبارهن، فقال: معاذ الله، أليس أنتم قوماً عرباً؟ فقلت: بلى، فقال: قال الله جل ذكره: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}، وهل يكون الحرث إلا في موضع الزرع، أو موضع المنبت.
وكذلك روى الدارقطني عن رجاله عن إسرائيل بن روح أنه قال: سألت مالكاً فقلت: يا أبا عبد الله، ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ فقال: أما أنتم عرب؟ هل يكون الحرث إلا في موضع الزرع؟ ألا تسمعون الله يقول: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. قائمة وقاعدة على جنبها، لا يعدى الفرج. قلت: يا أبا عبد الله إنهم يقولون: إنك تقول بذلك، قال: يكذبون علي، يكذبون علي، يكذبون علي.
وروى الدارقطني أيضاً عن رجاله عن محمد بن عثمان أنه قال: حضرت مالكاً وعلي بن زياد يسأله فقال: عندنا يا أبا عبد الله قوم بمصر يحدثون عنك أنك تجيز الوطء في الدبر؟
فقال: كذبوا علي عافاك الله.
فهذا مالك رضوان الله عليه قد صرح بكذب الناقل عنه في ثلاث روايات، فكيف تحل نسبته إليه بعد ذلك؟
ولا يجوز العزل عن الحرة إلا بإذنها، ولا في الأمة الزوجة إلا بإذن أهلها، ولا يعتبر إذنها، ولا خلاف في جوازه بالسرية من غير إذنها.
ثم الإتيان في الدبر في معنى الوطء في كثير من الأحكام كإفساد العبادات، ووجوب الغسل من الجانبين، ووجوب الكفارة والحد، ووجوب العدة، وحرمة المصاهرة، ولا يتعلق به التحليل ولا الإحصان، واختلف في تكميل الصداق به.

.الفصل الثاني: في وطء جارية الابن:

وهو حرام، لكن له في مال ابنه شبهة وجوب الإنفاق وفاقاً، ووجوب الإعفاف على قول كما سيأتي، فيسقط الحد، وتحرم على الابن بالمصاهرة، ويثبت النسب، وينعقد الولد على الحرية، وتصير مستولدة له، بل ينتقل الملك إليه بمجرد الوطء، وتثبت القيمة للولد من غير خيار له في ذلك.
وقال عبد الملك وابن عبد الحكم: للابن التماسك في عسر الأب ويسره ما لم تحمل، إذا كان الابن مأموناً على غيبته عليها، ولا يسقط الأرش، فإن كانت الجارية موطوءة للابن ملكها الأب بالاستيلاد، ولكن يحرم عليه وطؤها لوطء الابن لها، فتعتق عليه لتحريم الوطء.

.الفصل الثالث: في إعفاف الأب:

والنص من صاحب المذهب على عدم الوجوب.
وحكى بعض المتأخرين: أن أحد قولي الأصحاب الوجوب، فإن فرعنا عليه وجب على الابن أن يعف أباه الفاقد للمهر، المحتاج إلى النكاح.

.الفصل الرابع: في تزويج الإماء وحكمه في الاستخدام والنفقة والمهر:

أما الاستخدام فلا يبطل بالتزويج، ولكن يحرم الاستمتاع، فللسيد أن يستخدمها ويأتيها زوجها عنده، وليس على السيد أن يبوئها معه بيتاً، إلا أن يشترط ذلك، فإن تشاحا، ولم يكن بينهما شرط، حملا على العرف في ذلك.
وقال ابن الماجشون: ترسل إليه ليلة بعد ثلاث، ويأتيها هو فيما بين ذلك عند أهلها. وللسيد المسافرة بها، ولا يمنع الزوج من الخروج ليصحبها.
واختلفت الرواية في إلزامه نفقتها، فروي أنها تلزمه. وروي أنها لا تلزمه. وروي تخصيص إلزامه بأن تبوأ معه بيتاً. وروي تخصيصه بكونها تبيت عنده وإن كانت نهاراً عند أهلها.
وقال عبد الملك: ينفق عليها حين يأتيه، ولا نفقة عليه حين تكون عند أهلها.
واستحب مالك أن لا ينكح العبد حتى تشترط النفقة عليه بإذن سيده.
وحيث قلنا بلزوم النفقة للزوج، فمهما سافر بها السيد سقطت نفقتها. والمهر للأمة مال من مالها ما لم ينتزعه السيد. ولو قتلها السيد لم يسقط المهر، وكذلك لو قتلها أجنبي أو ماتت. وكذلك الحرة لو ماتت، أو قتلها أجنبي، أو قتلت هي نفسها، فلا يسقط المهر بشيء من ذلك.
قال محمد: وقال فيمن زوج أمته بمائة دينار، ثم قتلها السيد قبل أن يبني بها الزوج: إن له أن يأخذ من الزوج المائة، ويضرب السيد مائة ويحبس عاماً.
وإذا باع السيد الأمة لم ينفسخ النكاح، وسلم المهر للبائع كسائر مالها، إلا أن يشترطه المبتاع. وحيث لم يشترطه فليس للبائع حبسها لأجل تسليم الصداق؛ إذ لم يبق له فيها تصرف، ولا للمشتري أيضاً حبسها بذلك، إذ لا مهر لها فيستفيد الزوج بالبيع سقوط حق السيد من منع تسليم الزوجة.
ولو زوج أمته من عبده، فلابد من مهر ولو أقله.
ولو قال لأمته: أعتقك على أن تنكحيني، لم يلزمها الوفاء.
ولو أتلف امرأة عبداً على رجل فنكحها بالقيمة المجهولة، فسخ نكاحه قبل الدخول، وفي فسخه بعده خلاف.
ولو قالت السيدة لعبدها: أعتقتك على أن تنكحني، عتق، ولم يلزمه أن ينكحها.

.الفصل الخامس: في تزويج العبد:

ولا ينكح إلا بإذن سيده، فإن عقد من غير إذنه صح، ثم للسيد أن يطلق عليه، بخلاف الأمة توكل من يعقد عليها من غير إذن أهلها، فإن عقدها باطل، ولا يصح بإجازتهم له. وروي أن للسيد فسخه وتركه كنكاح العبد، وهي شاذة.
والمهر والنفقة لا زمان له، ومتعلقان بما يتحصل في يده مما ليس من خراجه، ولا من كسبه. ولا يكون السيد ضامناً للمهر بمجرد الإذن في عقد النكاح.
فرع:
إذا ملكت الحرة زوجها قبل المسيس سقط المهر جميعه، فإن اشترته بالصداق الذي ضمنه السيد، فإن ظهر قصد السيد بذلك إلى إفساد النكاح لم يصح هذا الفعل وإن لم يظهر قصده إلى ذلك وانفسخ النكاح، وبقي ملكاً لها، إن كان دخل بها، وإن لم يكن دخل بها عاد إلى ملك سيده.

.الفصل السادس: في النزاع:

ودعوى الزوجية صحيح من الزوجين، ولا يمين على المنكر منهما؛ إذ لا يقضي عليه بنكوله، ولو أتى أحدهما بشاهد واحد، ففي تعلق اليمين بالآخر لأجل الشاهد خلاف.
ثم إن نكلت المرأة لم يثبت النكاح، لا تحبس، وإن نكل الزوج غرم الصداق.
وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن ادعى على امرأة أنها زوجته، فأنكرت، فلا تؤمر بانتظاره، إلا أن يدعي بينة قريبة لا يضر بالمرأة، ويرى الإمام لما ادعى وجهاً، فإن أعجزه، ثم جاء ببينة بعد ذلك وقد نكحت أو لم تنكح، قال: قد مضى الحكم.
قال في كتاب محمد: ومن ادعي نكاح ذات زوج أنه تزوجها قبله، وأتى بشاهد، فليعزل عنها الزوج ليأتي هذا بشاهد آخر إن ادعى أمراً قريباً، فإن لم يصح له شاهد لم يلزم واحداً من الزوجين يمين.
قال أصبغ: قال أشهب: من أقام بينة أن هذه امرأته فأنكرته، وأقامت بينة أن فلاناً زوجها، وفلان منكر، ولم يؤقتا تاريخاً، وهم عدول، قال: لا أنظر إلى التكافؤ في العدالة، وأفسخ النكاحين.
وقاله أصبغ ما لم يقع الدخول بأحدهما. قال محمد: وذلك أنه أقرت له المرأة وهو منكر.
وقال أصبغ في الواضحة عن أشهب: فإن دخل بها أحدهما قبل الفسخ كانت زوجته، وقيل للآخر: أقم البينة أنك الأول.
قال أشهب: ومن أقام بينة أنه تزوج فلانة، وهي تنكر، وأقامت أختها البينة أن هذا الرجل تزوجها وهو منكر، ولم يوقنوا، فإن النكاحين يفسخان، ولا ينظر إلى التكافؤ. قال: وكذلك لو شهدت كل بينة قبل البناء لفسخا، ولهما الصداق.
قال محمد: وهذا لإنكاره نكاح الأخرى، ولو كان مقراً، ويدعي أنها الأخيرة لقبلت قوله، لأن البينة لا تكذبه، ولا ينفع التي تزعم أنها الأولى جحودها، لأن البينة أثبتت نكاحها، قال: وهذا تقوية للمسألة الأولى حين ذكر عنه أنه جعل الإقرار كالإنكار.
وفي العتبية: من زوج ابنته البكر، لا ولد له غيرها، ثم مات، فأنكرت أن تكون ابنته، وقالت: كنت يتيمة عنده، ولا بينة للزوج على عينها إلا سماعاً أنه زوجه ابنته، ولا تثبتها البينة، أو لها إخوة غير عدول شهدوا عليها، وكيف إن رجعت عن ذلك؟ قال: لا يلتفت إلى قولها، وقول الأب عليها جائز، ونسبها لاحق، وميراثها واجب، والنكاح لها لازم.
قال في كتاب ابن المواز: ومن زوج وليته قال: وهي أمرتني، فأنكرت، فلتحلف: ما أمرت ولا رضيت، ويسقط عنها النكاح.
فرع:
روى ابن القاسم في كتاب محمد: قال مالك في المرأة البكر لا تعرف فلتكشف لمن يشهد على رؤيتها إذا زوجها وليها.
قال محمد: وعلى قولها إن كانت ثيباً، وعلى صمتها إن كانت بكراً، ثم تزوج تلك التي عاينوا، أو شهدوا على عينها.
قال ابن القاسم في العتبية: قال مالك وإن لم يعرفها الشاهدان.
وإذا ادعت المرأة النكاح على ميت، وأقامت شاهداً واحداً، فقال ابن القاسم: تحلف معه وترث. ووقف عن ذلك أصبغ.
وقال أشهب: لا ترث حتى يصح النكاح.
وقاله ابن القاسم أيضاً.
وسبب الخلاف: أنها شهادة على ما ليس بمال تؤدي إلى مال.
ولو أقر الزوج في صحته بزوجة، ثم مات، ورثته بذلك الإقرار إن كان طارئاً. وفي إرثها له بذلك إن لم يكن طارئاً خلاف، إلا أن يكون معها ولد اقر أنه ولده، فإنه يلحق به وترثه هي حينئذ. وكذلك لو أقر بوارث غير الزوجة لجرى الخلاف فيه. وسببه فيهما،. هل الإقرار بهما كالإقرار بالمال أم لا؟
وإقرار أبي الصبي وأبي الصبية بالنكاح بينهما مقبول عليهما، ملزم لهما العقد، كإقرارهما بعد البلوغ على أنفسهما.
ومن اختصر فقال: لي امرأة بمكة، سماها، ثم مات، فطلبت ميراثها منه فذلك لها.
وكذلك لو قالت امرأة: زوجي فلان بمكة، فأتى بعد موتها، ورثها بإقرارها ذلك.
وإذا قال رجل لامرأة: ألم أتزوجك أمس؟ فقالت: بلى، ثم جحد الزوج، فهذا إقرار.
ولو قال لها: قد تزوجتك أمس، أو قال: أليس قد تزوجتك أمس؟ أو قال: أو ما تزوجتك أمس؟ فقالت: بلى، ثم جحد الزوج، فهذا إقرار، ولو قال لها: قد تزوجتك، فأنكرت، ثم قالت: بلى، قد تزوجتني، فقال هو: ما تزوجتك، فلا يلزمه النكاح بهذا. ولو قالت امرأة لرجل: قد طلقتني، أو قد خالعتني، وهما طارئان، فهو إقرار منها بالزوجية.
وكذلك لو قال الزوج: اختلعت مني، أو قالت هي: طلقتني، فقال ابن عبد الحكم: أو قالت له: خالعني، أو راجعني من طلاقك إياي، أو قد طلقتني اليوم، فهذا إقرار منها بأنها زوجته.
قال ابن سحنون: وإن قال لها: اختاري، أو أمرك بيدك في الطلاق، فهو إقرار النكاح.
وإن قال لها: أنت حرام، أو بائنة، أو بتة، فليس بإقرار بالنكاح، لأن الأجنبية عليه حرام، إلا أن تسأله الطلاق، فيجيبها بهذا، فهو إقرار النكاح في إجماعنا. قال: وكذلك لو قال لها: أنا منك مظاهر، بخلاف قوله: أنت علي كظهر أمي.
وإذا ادعى رجلان نكاح امرأة، وأقام كل واحد منهما البينة على أنه نكحها، ولم يعلم الأول منهما، والمرأة مقرة بأحدهما أو بهما، أو منكرة لهما، فإن عدلت البينتان فسخ النكاح، وكانت طلقة، ونكحت من أحبت منهما، أو من غيرهما.
قال محمد: أما قوله: أفسخه بطلقة، فإني لا ألزم ذلك من تزوجته الآن منهما، ولكن ألزم الذي لم تنكحه متى ما نكحها طلقة، قال: لأن من نكحته الآن إن كان هو الأول فهي امرأته بحالها، ولكن أحب إلي أن يأتنفا نكاحاً غبي من أمره. وإن كان هو الآخر فلم تكن له قط زوجة، ولو نكحت غيرهما للزمهما طلقة طلقة.
قال ابن القاسم: ويقضي بالعادلة منهما إن كانت واحدة، ولا يقضي بأعدلهما بخلاف البيوع.
وقال سحنون وأبو إسحاق البرقي: إنه يقضي فيه بالأعدل كالبيع، وهو اختيار أبي محمد عبد الحق.

.الفصل السابع: في تمييز ما يفسخ من الأنكحة بطلاق، عما يفسخ بغير طلاق:

قال الشيخ أبو محمد: آخر قول ابن القاسم لرواية بلغته عن مالك: أن كل ما نص الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على تحريمه لا يختلف فيه، فإنه يفسخ بغير طلاق. وكل ما اختلف الناس في إجازته ورده، فالفسخ فيه بطلاق. قال: وأول قوله، والذي عليه أكثر الرواة، أن كل نكاح للولي أو لأحد الزوجين أو لغيرهما إمضاؤه وله فسخه، فإن فسخه له بطلاق، وكل ما كانا مغلوبين على فسخه، وما فسخ قبل البناء وبعده، فإنه يفسخ بغير طلاق.
ثم تمييز ما يفسخ قبل البناء خاصة عن ما يفسخ قبله وبعده يعرف مما ننبه عليه، وذلك أن النكاح الذي ينظر في فسخه على ضربين:
الأول: ما لا يختلف في فساده ومنع المقام عليه، فهذا يفسخ قبل وبعد.
الضرب الثاني: ما وقع فيه خلل اقتضى فسخه، وهذا الضرب هو الذي يتنوع فسخه، فيكون قبل وبعد، ويكون قبل خاصة، فنقول في تنويعه: الخلل الواقع في النكاح يكون على وجهين.
أحدهما: يرجع إلى العقد، فهذا لا خلاف أن ما وقع عليه يفسخ قبل الدخول، وفي فسخه بعده خلاف، وهذا كنكاح المريض والمحرم، ونحو ذلك.
الوجه الثاني: يرجع إلى الصداق، وهذا فيه ثلاثة أقوال:
الفسخ قبل الدخول وبعده، وترك الفسخ فيهما، وهما شاذان، والتفرقة، وهو المشهور، فيفسخ قبل، ويثبت بعد.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً.

.كتاب الصداق:

وفيه خمسة أبواب:

.الباب الأول: في حكم الصداق الصحيح، في الضمان والتسليم والتقرير:

.(الحكم) الأول: حكم الضمان:

وهو مضمون في يد الزوج، إن كان مما فيه حق توفية، وإن لم يكن فيه حق توفية فلا ضمان فيه. وحكمه في التلف والتعيب وفوات المنافع وتفويتها حكم المبيع قبل القبض؛ إذ الصداق عوض، ولذلك يؤخذ بالشفعة، ويفسد العقد بفساده في بعض الصور، ولا يجوز بمجهول ولا بما فيه غرر، إلا أن يخف الغرر فيغتفر، كما أجزنا النكاح على شورة بيت، أو خادم من غير وصف، أو على عدد من الإبل والغنم من غير وصف، فيكون لها من الشورة المعروفة بأمثالها الوسط، ومن الخدم الوسط حالاً، جميع ذلك إن لم يكن ضرب له أجلاً، ومن الإبل والغنم الوسط من الأسنان. ويصح النكاح في الجميع، ويؤخذ ما ذكرناه؛ إذ ليس المقصود من النكاح المغابنة والمكايسة كما في البيع، بل المقصود المكارمة والمحاسنة والألفة، فجاز في النكاح من ذلك ما لم يجز في البيع.
وقال محمد بن عبد الحكم: لا يجوز إلا على معلوم مقدر.

.الحكم الثاني: التسليم:

قال ابن القاسم: للزوجة منع نفسها حتى تقبض صداقها، إن كانا بالغين. ولها أخذه بعد تمام العقدة إن نكحها على النقد نكاح الناس. وإن نكح بنقد وأجل، فإن دفع النقد كان له البناء، فإن لم يجد تلوم له الإمام، وضرب له أجلاً بعد أجل، فإن لم يقدر فرق بينهما.
وإن أجرى النفقة إذا طلبت ذلك المرأة، وتسليم المرأة نفسها، موجب لتسليم الصداق إذا كانت مهيأة للاستمتاع، فإن كانت محبوسة أو ممنوعة لعذر آخر لم يلزم تسليم الصداق.
وكذلك إن كانت صغيرة، إلا أن يكون الصداق معيناً كدار أو عبد ونحوهما، فلها أو لوليها طلب تعجيله، وإن لم تؤخذ بتعجيل الدخول، لأن ضمان ما كان بعينه منها.
ثم إذا بادرت وسلمت، فلها طلب الصداق، وإن لم يطأها، نعم لو رجعت إلى الامتناع سقط طلبها، إلا إذا وطئها، فإن المهر يستقر بوطئها مرة واحدة، وليس لها بعد الوطء حبس نفسها لأجل الصداق؛ إذ أبطلت حقها بالتمكين من الوطء مرة واحدة. وكذلك إذا بادر الزوج فسلم الصداق، لزمها تسليم نفسها، لكن عليه أن يمهلها ريثما تستعد وتهيئ أمورها، ويعرف مقدار ذلك في حقها بجريان العادة في مثلها، ولا تمهل لأجل الحيض فإن له الاستمتاع بما فوق الإزار، فإن كانت صغيرة لا تطيق الجماع أو مريضة فليمهلها.
فرع:
قال أشهب فيمن نكح وشرط ألا يدخل إلى خمس سنين، قال: بئس ما صنعوا، والنكاح جائز، والشرط باطل، ويدخل متى شاء، ورواه ابن وهب.
وروى ابن القاسم فيمن شرط عليه أن لا يدخل إلى سنة، فإن كان لتغربه بها وظعنه، وهم يريدون أن يستمعوا منها، وكان ذلك لصغرها، وشبه ذلك، فذلك عذر، وإلا فالشرط باطل. قال أصبغ: وما ذلك بالقوي إذا احتملت الوطء.

.الحكم الثالث: التقرير:

فلا يتقرر شيء من الصداق بالعقد على المشهور من المذهب. وحكى بعض المتأخرين قولين آخرين:
أحدهما: أنه يستقر نصفه بالعقد والطلاق، وغيره طارئ عليه.
والثاني: أنه يستقر جميعه بالعقد، واستقرأه من قول الغير في الكتاب أن الغلة للمرأة كانت في يدها أو في يد الزوج، لأن الملك ملكها قد استوفته.
وإذا فرعنا على المشهور، فإنما يتقرر كمال المهر بالوطء أو موت أحد الزوجين. أما الخلوة بمجردها فلا تقرر، إلا أن يطول المقام، فيتقرر الكمال على أحد القولين، لأن الجهاز قد تغير، واللذة قد حصلت ودامت، ثم اختلف قائلوا هذا في ضبط مدة الطول، فقيل: سنة، وقيل: ما يعد طولاً في العادة.
ثم حيث قلنا: إن الخلوة بمجردها لا تقرر، فإنها تؤثر في جعل القول قولها في بعض الصور إذا تنازعا في الوطء لأجل التقرير، كما إذا خلا بها خلوة البناء، فالمذهب أن القول قولها، وقيل: إن كانت بكراً نظر إليها النساء.
فأما خلوة الزيادة، فقيل: القول قولها أيضاً. رواه ابن وهب، وقال به هو وأشهب وأصبغ. قال الشيخ أبو محمد: وهو أشبه بحديث عمر، سواء جمعتهما بإغلاق باب، أو إرخاء ستر، أو غيره، إلا أنها خلوة بينة. وقيل: القول قوله.
وفرق في المشهور، فجعل القول قول الزائر منهما جرياً على مقتضى العادة، وهو قول مالك وابن القاسم، فإن تصادقا على نفي الوطء، لم يكن لها عند الجميع إلا نصف الصداق، ثم يقبل قولها في نفي الوطء، وإن كانت مولى عليها بكراً، صغيرة كانت أو بالغة، أمة أو حرة، مسلمة أو كتابية، أو كانت يتيمة، فالقول قولها، لها وعليها، وكذلك فيما يفسخ من النكاح، لأن هذا مما لا يعرف إلا بقولين.

.الباب الثاني: في الصداق الفاسد:

.ولفساده ستة مدارك:

.(المدرك) الأول: أن يكون مما لا يجوز بيعه:

لتحريم عينه، أو لغرره، كالخمر، والخنزير، والآبق، والشارد. فإذا عقد بذلك فسخ النكاح قبل الدخول، وثبت بعده على المشهور. وهل فسخه على الاستحباب أو الوجوب، قولان.
وروي أنه يفسخ بعد الدخول أيضاً، وهو مبني على تعدي فساد الصداق إلى فساد العقد، فإذا فسد وجب فسخه قبل الدخول وبعده.
فأما المشهور فهو مبني على قصر الفساد على الصداق، وعدم تعديه إلى العقد، والحكم بصحة النكاح، إلا أنه يفسخ قبل الدخول لا لفساد العقد الذي هو سبب الاستباحة والتناول، بل لفقدان شرطها ووجود مانعها، فيفسخ العقد ليستأنف عقده بعوض صحيح مقترن به، أو ليحصل العقد عارياً عن اقتران مانع الاستباحة.
والأصل في هذا قوله تعالى: {أن تبتغوا بأموالكم}. فأما إذا حصل الدخول فقد ثبت الصداق الصحيح، أعني صداق المثل، وبطل الفاسد، فوجد الشرط، وانتفى المانع، فلا يفسخ العقد حينئذ، وصار ذلك كزوال العيب الموجب لرد البيع قبل القيام به.
فرع:
من نكح بمغصوب فسخ قبل الدخول، وثبت بعده، ولها صداق المثل، رواه ابن حبيب عن ابن الماجشون وابن كنانة.
وقال ابن القاسم: لا يفسخ بحال وإن تعمد ذلك، بل يجب عليه غرم المثل إن كان مثلياً، أو القيمة إن لم يكن مثلياً. وقيل: بل يغرم المثل أيضاً. وقيل: يغرم صداق المثل.
وهذه الأقوال الثلاثة جارية أيضاً فيما إذا أصدقها معيباً فاختارت رده.

.المدرك الثاني: أن يكون الصداق على منافع الزوج:

مثل أن يخدمها مدة معلومة، أو يعلمها القرآن، أو شيئاً منه، وشبه ذلك، فمنعه مالك، وكرهه ابن القاسم في كتاب محمد. وأجازه أصبغ. فإن وقع مضى في قول أكثر الأصحاب، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم.
وروى عنه يحيى: أنه إذا لم يكن مع المنافع صداق فسخ قبل البناء، وثبت بعده، ويكون لها صداق مثلها، وتسقط الخدمة، فإن كان خدم رجع عليها بقيمة الخدمة.
وكذلك روى عنه يحيى أيضاً في نكاحها على إحجاجها، أنه يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ويجب صداق المثل، إلا أن يكون مع الحجة غيرها فيجوز.
قال ابن حبيب: وليس يعجبني، ولا رأيت أصبغ وغيره من أصحاب مالك يعجبهم، ورأيتهم يرونه جائزاً، لأن ذلك يرجع إلى حجة مثلها في النفقة والكراء والمصلحة، مثل نكاح المرأة على شورة مثلها، أو على صداق مثلها، أن ذلك كله جائز، ويرجع ذلك إلى الوسط من صداق مثلها.
قال ابن حبيب: وأمنعه من الدخول حتى يحجها أو يعطيها مقدار ما يشبه مثلها من النفقة والمصلحة، والنوائب، في بعد سفرها أو قربه، فتكون قد قبضت صداقها، فإن شاءت حجت به، وإن شاءت تركته.
قال فضل بن سلمة في قوله: أو يعطيها مقدار ما يشبه مثلها من النفقة والمصلحة هو قول مالك وخلاف مذهب ابن القاسم.
قال أبو الحسن اللخمي: والقول بجواز جميع ذلك أحسن، والإجارة والحج كغيرهما من الأموال التي تتملك وتباع وتشتري، وإنما كره ذلك مالك، لأنه يستحب أن يكون الصداق معجلاً، والإجارة والحج في معنى المؤجل، وأجازه أشهب في كتاب محمد، وإن لم يضربا أجلاً. قال: وكل من تزوج بشيء فهو حال، فإذا حل زمن الحج، وجب ذلك عليه.
ثم حيث أمضيناه إذا كان معه شيء غيره، فاختلف في بنائه بها قبل أن يحجها، فمنعه ابن القاسم إلا أن يقدم ربع دينار.
وقول أشهب: أن له أن يبني بها ويجبرها على ذلك لأنه قال: ذلك بمنزلة من تزوج بمائة دينار إلى سنة، فله أن يبني بها. قال: يريد ويجبرها على البناء، فإذا أتى أوان الحج حج بها، إلا أن يأتي أوان الحج قبل أن يبني بها، فلا يكون له أن يبني بها حتى يحجها، كالدين يحل قبل البناء، فتمنعه نفسها حتى يدفع ذلك إليها.